رواية والتقينا بقلم ندى ممدوح الفصل الحادي عشر حتى الفصل الأخير حصريه وجديده
انت في الصفحة 1 من 24 صفحات
11_القاتل
خرجت إسراء من معهد القرآن والبسمة تبزغ على محياها فبدت كالسراج المنير عينيها تشعان بهجة وسرور تطل منهما نظرة متلألئة كأنما ملكت الدنيا وما فيها تيبست قدميها عندما لم تجد سيارة بلال وتوقفت تفتش عن وجهه بين وجوه المارة وقد تسلل إلى قلبها هاجس غيابه مسدت بكفيها بطول ذراعيها من شدة التوتر الذي استبد بها لكن صرير سيارة مسرعة ومكابح صكت أذنيها ووجدت سيارته تقف أمامها فاتسعت ابتسامتها وقد استردت حيويتها وشغفها وعادت عينيها تتلألأ بلمعة السرور كانت كالفراشة وهي تتجه إلى السيارة بعدما فتح لها بلال الباب وهو يسألها في حيرة
فردت عليه وهي تغلق الباب وراءها
_لا لا أبدا.
فانطلق بلال بالسيارة ولم ينبس ببنت شفة كان قد راعه تلك السعادة التي تنطق بها كل خلجة من خلجاتها وود لو يسألها لكن الإحراج قد منعه فلاذ بالصمت آثرا السكوت.
لكنها بغتة عقدة ساعديها وقالت بخجل
_حفظت سورة الفاتحة تصدق إني كنت حافظها غلط!
_الحمد لله وبلاش تبصي لحياتك إللي فاتت اللي فات خلاص فترة مضت وماټت فأغتنمي الأيام الجاية بكل ثانية فيها.
فسألته بنبرة حزينة
_هيقبلني
فأومأ وهو يرمقها بنظرة حانية مغمغما
فأسبلت جفنيها واسترخت في مقعدها وأسندت رأسها إلى ظهر المقعد شعور جميل كان يحتل السويداء من قلبها..
شعور إنها قد ولدت لأول مرة
بدون ذنوب
أو معاصي
أو آثام
وودت لو يظل هذا الشعور في صميمها أبد الدهر
وتنهدت وهي تفتح جفنيها لتطلع فيه عبر المرآة وقالت بشغف
_وعرفت حاډثة شق صدر الرسول ﷺ
_لما كان في منزل السيدة حليمة
هزت رأسها في حماس عدت مرات وسألته وهي ترنو إليه بنظراتها
_ايوا هو بيتشق صدره مرة تاني ولا إيه
فرد بلال بإيجاز وهو منشغل في الطريق أمامه
_ايوا.
ولم يزد حرفا فخيل إليها إنه سيكتفي بذاك القادر من الكلام وعبست لكنه تنحنح قائلا وهو ينحرف يمينا
فقاطعته مكررة بذهول
_ماشطة ابنة فرعون!
رمقها بلال بطرف خفي وغمغم
_امرأة بتسرح الشعر.
لم تنبس إسراء وأطلت من عينيها كل الشغف لمعرفة قصتها ولم يطل إنتظارها فقد استرسل بلال بصوت رخيم
سكت بلال لهنيهة ثم أردف يقول
_دعى فرعون الماشطة وسألها إن كانت تعبد رب غيره فتسلحت بالإيمان وشحن فؤادها باليقين وهي تؤكد له إنها تعبد الله الذي خلقها وخلقه وخلق الناس أجمعين.
ولاذ بالصمت وانتفض قلبه إنتفاضة قوية متأثرة حزينة وسرت رجفة عڼيفة في كامل جسده وهو يضيف بصوت طغى عليه الوجد
_أمر فرعون بقدر كبير مليء بالزيت ووضعه على الڼار وانتظر حتى بات الزيت يغلي وجاء بها وبأولادها الخمس وأوقفهم أمام القدر وسألها أن تكفر بالله فأبت بأنفة وكان من بين أولادها طفل رضيع تضمه إلى صدرها وطلبت عند إذ من فرعون أن يجمع عظامها وعظام أولادها في قبر واحد فوافق ورأت ما لا يتحمله قلبه
ولا يتصوره عقله
ولا يدركه بصر
رأت بعينيها أولادها وفلذة كبدها وهم يلقون في القدر
أبصرت أنصهار لحومهم وتشوه وذوبان ملامحهم رأت عظامهم
فيا قسۏة القلوب!
كيف هان على فرعون فعل ذلك
مما قد قلبه! لن نقول من صخر فالصم الصلاب تملك رحمة ربما عنه.
وعندما جاؤوا لإلقاء الطفل الرضيع تقاعست رفضت أن تعطيهم إياه لم يستطع فؤادها على ذلك فتشبثت به وضمته إلى قلبها عند إذ أنطق الله سبحانه وتعالى الصغير فقال لها يا أماه أقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فأقتحمت.
سكت بلال مليا وبدت في عينيه دمعة آسى جاهد لإخفاءها ففرت إلى حيث جاءت وحانت منه نظرة في مرآة السيارة فرأى إسراء تحجب وجهها بين كفيها وتناهى له صوت نحيبها فلم ينبس حتى هدأت وقال
_ما يساوي عذاب الدنيا امام عذاب الآخرة ما تضاهي ڼار الدنيا إزاء ڼار جهنم ما الحياة التي يتمسك بها الإنسان! أولاء الناس كانوا يبتغون إعلان إيمانهم أن يعبدوا الله على الملأ دون خوف من أن يعلم أحد فيحاول ردعه عن دينه ذاقوا سوء العڈاب أما الآن فنحن نعلن إسلامنا في كل فخر لكن من من يتبع رسوله لا يهجر قرآنه يؤدي فرضه تطيع ربها فيما أمر!
أخذ بلال نفس عميق وظل لحظات صامتا مصوبا بصره على الطريق قبل أن يسترسل في هدوء
_ يا حظ من كانت على الثبات مثل ماشطة إبنة فرعون لا تخجل إن ارتدت النقاب ولا تجزع من كلام الناس إن قالوا لها تبدين كبيرة ما هذه الخيمة وكيف تتزوجين ليتنا نتمسك بديننا وبكل اوامره ليتنا ندرك إن الحياة فانية وذات يوم بل ذات لحظة خاطفة سيسرقنا ملك المۏت ولن نودع حتى الأحبة سنجد أنفسنا نعاني من السكرات بمفردنا ثم ندخل القپر الحالك السواد وحدنا وسنبعث وحدنا لن يدفع عنا عذاب الله أحد ومراحل المۏت والبقاء في القپر ويوم القيامة كلها أشياء مهيبة على الأنسان أن يعمل لها قبل مۏته .. المۏت آت والحساب آت ثم يا جنة يا ڼار لا ثالث لهما.
ولم يلبث أن خيم عليهما السكون كان بلال شارد البال يتخيل ماشطة بنت فرعون متعجبا قتل فرعون زوجها عندما آمن بموسى وكتمت هي إسلامها ثم يحدث ما حدث فلا تخش أن تقول بكل إصرار إنها على الإيمان إنها تعبد الله وحده سبحانه وتعالى..
كان ممكن أن تنجو..
أن تكذب لتحيا هي واولادها
لكن الإيمان في قلبها كان أكبر من كل شيء..
أكبر من فرعون والوجل منه..
لم تخش حينها إلا الله فلم يجعلها الله تتزعزع وعندما جزع فؤادها المكلوم على رضعيها الذي كاد للتو يلتقم ثدييها فثبتها الله لم يجعلها تتضرع ولا تهان أمام فرعون وجنوده ومن معجزة الله فقد جعل الرضيع يتكلم..
يا لها من قصة لمن تأملها..
ولمن قصها على القريب قبل الغريب..
سكت بلال زافرا في هدوء وساد بينهما الصمت وفجأة بدا التردد على وجه إسراء وفي إنفراج شفتيها ثم حسمت أمرها وتمتمت في تردد ظهر جليا في صوتها المتلعثم
_بلال أنا ممنونة ليك بأسف!
_على إيه
غمغمت كمن على وشك البكاء وهي مطرقة الرأس
_أنت كنت هتتسجن بسببي
_فداك فداك أي حاجة وكل حاجة ممكن تحصلي فداك عمري كله فداك روحي.
قالها بلال محادثا نفسه ما أن لامس قولها قلبه وود لو تخرج تلك الكلمات من بين شفتيه لكنه بدلا عنها غمغم غاض الطرف عنها
_حصل خير مكنش ذنبك.
فتلعثمت وهي تتمتم
_ولكن ..
فقاطعها قائلا ناهيا حديثها