رواية والتقينا بقلم ندى ممدوح الفصل الحادي عشر حتى الفصل الأخير حصريه وجديده
يكن يعي ما يدور حوله وقد تمكنت فكرة واحدة رأسه وسيطرت عليه ونزعت كل ما عداها من أفكار أخرى وهي يجب ألا يدعها ترحل وأنى له بحياة دونها!
إن غابت غاب معها كل شيء..
الحياة وقلبه وروحه والعالم بأسره!
ليتها تدر كم يحبها وغيابها تلك الفترة ذره كريشة تتقاذفها الرياح كيفما تشاء.
ما أن توقفت سيارته أمام باب المطار حتى غادرها مسرعا دون أن يعبأ حتى بالتأكد من إغلاق الباب واندفع داخل صالة المطار وعيناه زائغتان بالبحث عنها بين الوجوه... يفتش عنها في كل وجه يقابله لكنه لم يعثر عليها وإحباط هائل ملأ جوانحه جعلت كتفاه تتهدلان كجندي عاد منهزما منكسرا من معركته وأطرق بدمعة حبيسة داخل مقلتيه وما أن رفع رأسه حتى رأها وقد جلست على أحد المقاعد شاردة وقد ظللت سحابة من الحزن وجهها الجميل يجوارها أبيها في مقعده المتحرك.
تساؤل دار في خلده وهو يهرع إليها ووجد نفسه ېصرخ مناديا إياها
_إسراء.. إسراء.
لم تصدق إسراء ما تسمع أذنيها! أهذا صوته أم إنها تتوهم وتحولت إليه بوجهها الحزين الكليل غير مصدقة وسرعان ما تحولت قسمات وجهها إلى الفرح الشديد كطفلة عاد والديها بعد فترة من الضياع وشع من عينيها كل الحب وهي تهمس باسمه بصوت خفيض ووقفا مقابل بعضهما البعض وغشاهما صمت عجيب وران عليهما الهدوء وقد ألتقت عيناهما في أسف عظيم يفطر القلب وانفرجت شفتاه بأسف صادق نابعا من الأعماق وعيناه ترجوان السماح متمتما
وتردد لثوان قبل أن يردف في خفوت أستلذه قلبها الذي أخذ يتأمل ملامحه في هيام ويحفرها بين الجوانح وفي الشغاف
_أنا عرفت غلطي وندمان على كل كلمة قولتها ليك وكل چرح سببتهولك أنا أسف بجد.. أنا عرفت كل حاجة من ندى متعرفيش الفترة اللي عدت كانت حالتي فيها إزاي كنت إنسان بقلب ناقص نبض وبصدر ناقص هوا وبروح مش لاقية مأوى.. ارجعي معايا وخلينا نبدأ من جديد.
_أنت اجمل حاجة حصلت لي ووعيت عليها في الحياة ولكن أنا مينفعش ارجع انا رايحة لمكان هجدد فيه إيماني وحياتي واستقامتي أنا لو رجعت معاك دلوقتي حياتنا هتبقى وحشة مش هنبقى مرتاحين هتعيش دايما بشك في قلبك نحيتي بس انا مش زعلانة لإن مش ذنبك ولا ذنبي أني اتجهت للتمثيل دي الغلطة الوحيدة اللي عملتها في حياتي وغالبا هدفع تمنها فيك أنا أسفة بس أنا مقبلش أعيش مع واحد شاكك في أنت تستاهل واحدة أفضل مني.
_متقوليش كده معاك حق انا غلط لما شكيت فيك كان لازم اسمعك بس مش هتتكرر.
لكنها ردت بثقة
_هتتكرر لإن بينا ماضي وحش كنت أنا بطلته والماضي ده هيفضل مخليك شاكك في مهما اعمل.
ربما معاها حق هو بداخله شك غريب تجاهها في كل تصرفاته لكن ليس بعد الآن.
_الحاجه الوحيدة اللي هوعدك بيها إن قلبي اللي حبك مستحيل يحب غيرك سلام يا بلال افتكرني بكل خير واوعدك إني هرجع لكن يوم ما هرجع ولو اتقابلنا تاني هتلاقيني إسراء تانية مش إسراء الضعيفة.
وتراجعت بظهرها بنظرة وداع أخيرة والتفتت وهي تغمض عينيها بقوة لينحدر دمعها في غزارة على وجنتيها وأمسكت بقبضتيها مقعد أبيها المتحرك الذي كان يجلس منكسرا في خزى وقد أقسم ألا يتدخل في شئوون ابنته مرة أخرى وقبل أن تتحرك أوقفها صوته وهو يقول بنبرة تقطر ألما
وسمع صوت تنهيدة عميقة ندت عنها قبل أن تتحرك امام عينيه وهي تجر مقعد ابيها أمامها فنادها بصوت ضعيف منكسر
_إسراء.. إسراء.
فالتفتت إليه برأسها وفي عينيها نظرة حزينة.
وأقلعت الطائرة وقد حملت معها جزاء من نفسه وكيانه وتهالك بلال على أحد المقاعد بعينين متفعمة بالدمع الذي أبى الخروج من محرابه..
وقد عاد خاسئا وهو حسير.
21_وأخيرا التقينا
ما بال فؤادي منذ التقينا وهو يرفرف خجلا كأنما وجد محرابه الضائع.
جالس وراء مكتبه غائر العينين فارغ القلب إلا من تلك الحبيبة التي هجرته ولا يعرف أراضيها أشياء كثيرة قد تغيرت في تلك الفترة من حياته نال خلالها عمل بشهادته في شركة صديقه محمود لم تكن شركة في البداية بالمعنى الحرفي إلا أنها مع مرور الأيام باتت كذلك لقد عمل وجد هو وصديقه يدا بيد حتى وصلا لما هما عليه تزوجت أخته سهير من سعيد ومن كان يصدق أن سعيد وسهير سيتزوجا لكنه قد حصل وهي الآن تحيا حياة طيبة مع الأبله سعيد الذي كان يظن لإنه هو وأخته اخوات في الرضاعة فحرام أن يتزوجها لكن ما أن بدت له الأشياء على حقيقتها حتى هرع لخطبتها.
لقد كان العوض لأخته وهذا يكفي.
تنبه من شروده على دق خفيف على الباب أدبر ذلك بدخول سكرتيرته قائلة
_أستاذ بلال السكرتيرة الجديدة جت ادخلها
فأشار لها بلال بإيماءة من رأسة قائلا بصوت عملي
_أيوه دخليها.
رن هاتفه في تلك اللحظة بينما تشير السكرتيرة للفتاة بالدخول فرد بلال على هاتفه وهو يدور بكرسيه موليا ظهره للباب مجيبا على محمود الذي بعث له بتلك السكرتيرة الجديدة لتحل محل الأخرة الراحلة.
واستمع إلى خطوات أنثوية تدب أرضية مكتبه فرفع يده مشيرا لها بالجلوس دون أن يوليها اهتماما ودار مرة أخرى بمقعده سرعان ما حدق في الجالسة امامه بدهشة وعدم تصديق وهو يهتف وقد اكتست وجهه مسحة حنان
_إسراء.
وحدقت إسراء فيه بدورها في صدمة وقلب خافق وهمست بغير تصديق
_بلال.
واسرعت عينا بلال تفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها في تمعن شديد لا تزل كما هي لم تغيرها الأيام ولم تزيدها إلا جمالا في نظره وذاك الفستان الأبيض الفضفاض ذو حزام يضم خصرها جعلها كما الملاك الذي هبط بغتة من السماء وعادت عيناه مجددا إلى وجهها الجميل الساحر ورأى نظرة مرتبكة مصډومة تطل من عينيها الحبيبتين وتأمل ملامحها برفق كأنه يحفرها مجددا على جدار قلبه وعلى أجفان العينين كلا تر غيرها ملامحها الآن تشبعت بقوة لم تخف على عيناه التي تحفظانها وصرامة تشبعت بها كل خلية من خلاياها وبدت أقوى منه عندما استعادت ثباتها من وقع لقاءه المدمر لمشاعرها وازدردت لعابها في ارهاق وظهر التردد والكثير من الكلام بين شفتيها اللتين انفرجتا لوهلة ثم أطبقتا في هدوء ورفعت كفيها تعدل من خمارها ثم توليه ظهرها وأسرعت خطواتها كأنها تعدو نحو الباب وهب بلال من مقعده لاحقا به وأغلق الباب الذي فتحته وترك لكفه مهمة إحكامه مخافة أن تهرب منه وصوته ينبعث قائلا بحنين وبنظرة لا تزل تستقر على وجهها
_المرة دي مش هسيبك تمشي.
واقترب خطوة تراجعتها هي بظهرها وهو يقول بهمس
_كنت فين كل ده
فرفرفت أهدابها لوهلة وهي تجيبه في صرامة
_أستاذ بلال لو سمحت مش من حقك تسألني أي سؤال أنا كنت جاية للوظيفة ومعرفش إن أنت فعشان كده همشي.
لكنه لم يسمع ترهاتها وما لفظته بصرامة لم يعهدها فيها وقد اختفت